الأحد 12 يناير 2025 | 12:01 م

هل مدن مصر الساحلية معرضة للغرق بفعل التغيرات المناخية؟ رئيس قسم البحار الطبيعية يُجيب

شارك الان

أكدت عدة بحوث ودراسات بيئية مرتبطة برصد آثار التغيرات المناخية أن نصف شواطئ العالم تقريبًا عرضة للتآكل مع نهاية القرن الحالي؛ بسبب أزمة التغيرات المناخية في العالم أجمع، وباتت أزمة تآكل الشواطىء معضلة كبيرة،  تهدد سلامة كوكب الأرض.

وبالحديث عن مصر أنه بين عامي 1984 و2016، تآكلت السواحل المصرية بمتوسط 0.1 متر كل عام، وفقًا لبحث عن منظمة البنك الدولي لعام 2022 بعنوان «السماء الزرقاء والبحار الزرقاء: تلوث الهواء والبلاستيك البحري والتآكل الساحلي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» والذي تناول الآثار المحتملة للظاهرة على السياحة والبنية التحتية الصناعية، والمجتمعات السكنية، على طول سواحل مصر، إذا استمر الأمر دون رادع.

كما أن بعض أجزاء السواحل المصرية أكثر عرضة للتآكل من غيرها؛ حيث أن التركيبة الجيولوجية للشواطئ الرملية وسواحل الدلتا على البحر المتوسط تجعلها معرضة بشكل خاص لارتفاع مستوى سطح البحر؛ حيث صنفت إحدى الدراسات نحو 72% من الساحل الشمالي للبلاد على أنها شديدة التعرض للخطر أو شديدة الخطورة، وتناولت دراسة أخرى تبحث في تغيرات الخط الساحلي على طول دلتا النيل أنه بين عامي 1990 و2014، تآكلت بعض أجزاء الخط الساحلي بمتوسط 10-21 مترًا سنويًا.

وهنا توجه «مصر الآن» لمحاورة الدكتور طارق الجزيري، رئيس قسم علوم البحار الطبيعية فى المعهد القومى لعلوم البحار؛ للحديث معه حول ظاهرة تأكل الشواطئ وصداها على مدن مصر الساحلية، وكيفية التعامل معها بطرق علمية تحد من آثارها السلبية، وتعقيبه على دراسات علمية ظهرت خلال الفترة الأخيرة وتناولت إحصائيات تشير إلى غرق مدينة الإسكندرية وعدة مدن ساحلية أخرى بمختلف دول العالم مع نهاية القرن الحالي، والعديد من الأسئلة الأخرى.

  
• بالحديث عن التغيرات المناخية كيف ترى تأثير التغيرات المناخية على شواطئ وبحيرات مصر والوطن العربي خلال السنوات المقبلة وآثارها على المواطنين؟

 إن البيئة المائية سواء البحار أو الأنهار أو البحيرات على مستوى الجمهورية وعلى مستوى الوطن العربي عامة؛ قد تأثرت بشدة بالتغيرات المناخية والظواهر الضارية التي تشهدها المنطقة. هذا التأثير يمكن حصره بشكل أساسي في ثلاثة محاور. بداية من البناء الهيدروجرافي للبيئة المائية من تغير في درجات الحرارة ونسب الملوحة وكمية الأكسجين وما يتبع ذلك من تغير في البنية البيولوجية والثروة السمكية في هذه البيئات، مرورًا بالتباين في البناء المورفولوجي للشواطئ نتيجة التغير في مستوى سطح البحر وتعرض هذه الشواطئ للظواهر الضارية من ارتفاعات موجية وارتفاعات العواصف مما يؤدي إلى حدوث ظاهرة نحر الشاطئ، وصولًا إلى التأثير الاقتصادي وهو النقطة الأهم حيث تتأثر المجتمعات السكانية في المناطق الساحلية بالتغيرات المناخية وما يتبعها من تغير في الأنشطة البشرية المرتبطة بالبيئة المائية في هذه المناطق. 

• تآكل الشواطيء هي معضلة تضرب عدد من الشواطئ المصرية.. من وجهة نظرك ما سبب تزايد هذه الظاهرة خلال آخر عقدين بشكل كبير، وهل السبب يعود للتغيرات المناخية فقط أم أن للإنسان مسؤولية في ذلك؟

إذا أردنا الحديث عن تآكل الشواطئ المصرية في الفترة الأخيرة فلا يمكن أن نلقى باللائمة على التغيرات المناخية فقط، ولكن مع الأسف النشاط البشري غير المدروس قد ساهم بشكل كبير في حدوث هذه الظاهرة بشكل لافت، مع القناعة التامة بأهمية الاستثمار وإقامة المشروعات الساحلية، إلا أنه يجب تفعيل قانون البيئة بشكل صارم حتى لا تتأثر البيئة الساحلية على المدى المتوسط بالنتائج السلبية جراء هذه المشروعات الغير مدروسة.

كما أنه يجب النظر إلى أن مواقع هذه المشروعات نفسها تتأثر بشكل كبير بالتعديلات البشرية التي تغير من طبيعة خط الشاطئ بها؛ وبالتالي فإن المستثمر نفسه يجد نفسه أمام حلين، إما أن يزيد من نفقات الصيانة والحماية الشاطئية، أو أن ينهي مشروعه بالكلية، رغم أنه يمكن تجنب كل هذا الضرر من خلال دراسات بيئية سليمة، وفق قانون البيئة قبل الشروع في أي تعديل يخص المنطقة الشاطئية.

• إذًا كيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة بطرق علمية تحد من صداها؟

يمكن التعامل معها من خلال تفعيل وتطبيق قانون البيئة باشتراطاته، وعمل دراسات تقييم للأثر البيئي لأي مشروع في المنطقة الشاطئية قبل الشروع في تنفيذه.

• لماذا الإسكندرية محض أحاديث الباحثين.. فدائمًا يسلطون ضوء أبحاثهم تجاهها محذرين من خطورة التغيرات المناخية عليها بشكل أكبر عن بقية مدن مصر مصر الساحلية، ما السبب في ذلك من رأيك؟
 
إن اهتمام الباحثين وذوي التخصص بكل ما يخص التغيرات المناخية وصداها على مدن مصر الساحلية والإسكندرية بشكل خاص يعود برمته إلى أن الإسكندرية مدينة ساحلية تاريخية ذات طابع خاص عن بقية المدن؛ حيث تضم بين جنباتها آثارًا لحقب تاريخية مختلفة تمثل التاريخ المصري كله بل والعالمي أيضًا.

 كما أن المدينة التي تطل على البحر المتوسط كانت في وقت سابق موطنًا لإحدى عجائب الدنيا السبع القديمة «منارة الإسكندرية»، وكذلك مكتبتها القديمة، وحاليًا مكتبة الإسكندرية أحد منارات نشر الثقافة وتجميع الشعوب. كما وتضم الإسكندرية حوالي 40% من مراكز الصناعة في مصر، وتمتلك عددًا من الموانئ الهامة في مجالات التبادل التجاري والبترولي، أضف إلى ذلك الامتداد الساحلي للإسكندرية، والذي يضم عددًا من الشواطئ المتميزة والأماكن الساحلية والسياحية الهامة.

ووجب النظر إلى إن الإسكندرية هي واحدة من أكبر المدن في مصر من حيث عدد السكان؛ حيث يعيش فيها ملايين المواطنين؛ مما يجعل أي تأثير سلبي على المدينة يهدد حياة أعداد كبيرة من الناس. وفي العقود الأخيرة، شهدت الإسكندرية توسعًا عمرانيًا غير منظم على المناطق الساحلية، وهذا التوسع؛ أدى إلى إزالة الحواجز الطبيعية مثل الكثبان الرملية؛ مما زاد من تعرض المدينة لمخاطر التغيرات المناخية. كما أن بعض المنشآت الصناعية والسياحية بُنيت على الشاطئ أو قريبة منه؛ مما أثر على ديناميكية التيارات البحرية، وزاد من تآكل الشواطئ.

تشهد الإسكندرية "النوات" بانتظام، (وهي عواصف شتوية موسمية تصحبها أمطار غزيرة وأمواج عالية). هذه الظاهرة الطبيعية تُفاقم من أضرار التآكل والغمر الساحلي، وتجعل من المدينة أكثر عرضة للتحديات المناخية عن غيرها من المدن الساحلية؛ ولذلك فلا عجب أن تكون المدينة موضع اهتمام من الباحثين في كافة المجالات خاصة فيما يخص موضوع التغيرات المناخية، وتأثيرها على ساحل هذه المدينة.

• صدرت دراسة عن مركز البحوث المشتركة للمفوضية الأوروبية العام قبل الماضي، تؤكد أن قرابة نصف شواطئ العالم ستغرق مع نهاية القرن الحالي.. ما مدى صحة هذه الدراسة؟

إن الدراسة التي أشار إليها مركز البحوث المشتركة للمفوضية الأوروبية بشأن غرق نصف شواطئ العالم بحلول نهاية القرن الحالي هي دراسة علمية تستند إلى نماذج محاكاة وتقنيات تحليل حديثة. ولمعرفة مدى صحة هذه الدراسة، دعونا نستعرض النقاط الأساسية التي توضح مضمونها، فقد اعتمدت الدراسة على نماذج محاكاة متطورة تستخدم بيانات الأقمار الصناعية، ونماذج المناخ ودراسات عن تآكل السواحل؛ لتوقع آثار ارتفاع مستوى سطح البحر، واستنتجت الدراسة أن حوالي 50% من الشواطئ الرملية في العالم ستختفي بحلول العام 2100، وأن التأثير سيكون أكثر في المناطق ذات السواحل المنخفضة والشواطئ الرملية على الرغم من وجود دلائل على ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة في معدلات النحر والتآكل، إلا إن الدراسة قد أغفلت نقطة هامة وهي الاختلافات الجغرافية للمناطق الساحلية على مستوى العالم؛ حيث ليست كل الشواطئ معرضة للخطر بنفس الدرجة، كما أن الحركة الأرضية الرأسية تتباين صعودًا وهبوطًا بمعدلات مختلفة على مستوى سواحل العالم؛ لذلك فإننا دائمًا عند القيام بمثل هذه دراسات نستخدم مصطلح «التغير النسبي» حيث يتم تنسيب العوامل المؤثرة إلى منطقة الدراسة.

يؤخذ على الدراسة أيضًا تناولها أسوأ الافتراضات المقترحة من اللجنة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية دون غيرها من السيناريوهات لعرض نتائجها. هذا السيناريو الأسوأ يفترض استمرار انبعاثات غازات الدفيئة بمستوياتها الحالية أو زيادتها، دون أي إجراءات كبيرة للتخفيف، وهو ما قد لا تتحقق إذا تم اتخاذ إجراءات مناخية فعالة على المستوى الدولي.

إننا لا ننفي وجود التغيرات المناخية وآثارها السلبية على التغير في مستوى سطح البحر وعمليات النحر، إلا أننا في الوقت ذاته لا نهول منها وفق المنظور العالمي، لكن ندرس بيئتنا بعواملها؛ حتى نحصل على أرقام ومعدلات تغير دقيقة، تسمح لنا بوضع الحلول وفق التغير الحادث في منطقتنا.

• أخيرًا.. هل تغير استخدام الطبيعية الأرضية، للاستثمار الاقتصادي بقطع الغطاء الأخضر واستبداله بالغطاء الصناعي سببًا في التغير المناخي؟

نعم، يعتبر تغير استخدام الطبيعة الأرضية أحد العوامل القوية التي على المدى البعيد يظهر أثرها السلبي على مناخ الأرض. ولا يشترط أن يكون ذلك متمثلًا فقط في قطع مساحات من الغابات؛ لاستبدالها بالنشاط الصناعي، ولكن يشمل أيضًا عمليات ردم البحيرات واستبدالها بكتل خرسانية، أو تحويلها لمناطق جافة لإنشاء طرق وجسور وموانئ.


استطلاع راى

مـــع أم ضــــد اعتمـــاد نظـــــام البكالوريا بديلا للثانويـــــــة العامـــــــــــــة

نعم
لا

اسعار اليوم

الذهب عيار 18 3265.75 جنيهًا
سعر الدولار 50٫85 جنيهًا
سعر الريال 13٫50 جنيهًا
الاكثر قراءه